إلى السماء- وداعًا موسى محرق.. شاعر الحب والفرح.
المؤلف: حمود أبو طالب09.05.2025

«دعنا نرتقي نحو السماوات». هكذا كان يهمس في أذني، بينما كنا نسير جنبًا إلى جنب عند الغروب، على طول الممشى الساحر بجانب النهر المتلألئ في واشنطن، تلك المدينة الأمريكية التي عشقها، واعتاد أن يزورها بشوق عظيم، والتي اختارها القدر لتكون محطته الأخيرة في هذه الدنيا الفانية خلال زيارته الأخيرة. لقد أسرتني عبارته الشاعرية الرقيقة، فهو الشاعر المرهف الحس، وأصبحت أرددها في كل مرة نخطو فيها معًا في أي درب، ولم يخطر ببالي أبدًا أنه سيمضي في لحظة مفاجئة ومؤلمة نحو السماء بمفرده، ولن يعود أبدًا، وفي نفس المدينة التي عشقها.
وكان يقول بعد النزهة عند الغروب متجهين نحو السماء: "دعنا نوقد الليل ابتهاجًا وسرورًا معًا"، وهكذا كان الأمر دائمًا، لأنه كان يمتلك قدرة خارقة على تحويل كل لحظة عادية إلى سيمفونية من الضحكات والمرح والفرح والبهجة التي لا تنتهي، وعندما كنا نلتقي في بيوتنا الدافئة بعد العودة، كان يفاجئني بتفاصيل مدهشة، يرويها بأسلوبه الخاص المتفرد، ويصوغ من بعضها قصائد عذبة آسرة، محملة بتلميحات عميقة لا يفهمها إلا قلبينا، أنا وهو فقط، وكأنها شفرة سرية بين روحين متآلفتين.
من ذا الذي لا يعشق هذا الإنسان النبيل إذا ما عرفه عن قرب؟ من ذا الذي لا يحب «موسى محرّق» الذي رحل فجأة، وبشكل مباغت، قبل يومين فقط، بينما كان في أوج صحته وتألقه وحضوره الآسر وعطائه المتدفق وأحلامه الوردية وتطلعاته السامية وآماله العريضة؟ الشاعر الأديب المثقف والإعلامي اللامع والخطيب المفوه الذي لا تكتمل روعة المناسبات الكبرى إلا بلمساته السحرية إعدادًا وتحضيرًا، وبصوته الجهوري الفخم تقديمًا وتعليقًا. لقد مارس فن الصحافة المقروءة فكان من فرسانها المتميزين الذين تركوا بصمة لا تُمحى، وعمل في الإعلام المرئي فكانت إطلالته فريدة ومختلفة بما يقدمه من محتوى رصين بلغة عربية باذخة هو سيدها، وأدار وشارك في منتديات ثقافية وإعلامية كبرى داخل الوطن وخارجه فكان فارس الكلمة وسيد المعنى الرفيع، وبعد أن تفرّغ للعمل بكل تفان وإخلاص في جامعة جازان الفتية بعد إنشائها أصبح إحدى أيقوناتها البارزة الساطعة التي لا تخفى على أحد. لقد جعل من إدارة العلاقات العامة والإعلام فيها خلية نحل لا تهدأ، ومصنعًا للأفكار المبدعة والرؤى الخلاقة والأفكار غير التقليدية، حتى أصبحت الإدارة الأكثر تميزًا بين مثيلاتها في الجامعات الأخرى، حضورًا لافتًا وتواصلاً فعالاً ونشاطًا غير تقليدي. كان لا يرضى أبدًا بغير الإبداع والتميز، وكان اسمه الجميل ملازمًا لاسم الجامعة كلما ذكرت، كان يشعر بإحساس عميق بأنها المحطة التي تستحق أن يمنحها كل ما يستطيع من جهد وعطاء طوال حياته المتبقية، وكان كل ما يأتي حديث بيننا عن الجامعة يذكرني بوصف بليغ لها اتفقنا عليه سويًا: «جامعة حبنا».
أنا لا أرثي «موسى» الغالي، لأنه لم ولن يموت أبدًا بالنسبة لي، أنا أتحدث عنه فحسب، رغم الغُصة الحارقة المريرة التي تكاد تخنقني. قبل أيام قليلة في جازان كنا، هو وأنا وعبده خال، نملأ المكان بضحكنا العالي وأصواتنا الصاخبة المرتفعة؛ في بهو الفندق الفخم، وفي المطعم الأنيق، وفي السيارة المريحة، وفي كل مكان وطأته أقدامنا، كان موسى يمتلك قدرة استثنائية فريدة على حياكة الطرف والنكتة وصنع المواقف المرحة التي تحلق بك في آفاق السعادة والبهجة التي لا حدود لها. وقبل أيام معدودة اتصل بي ليحدثني عن سفرته المرتقبة وكيف نرتب للقائنا المبهج بعد عودته، وبالطبع حدثني عن ممشى الغروب الساحر والسير المتأمل باتجاه السماء الصافية لينبش ذكريات عذبة وحميمة في أعماق قلبي وروحي. ولكن قبل البارحة فقط تأكد لنا جميعًا أن موسى سيعود إلينا في تابوت خشبي، يا له من وجع عميق لا يندمل.
لن أتحدث باستفاضة عن علاقتي أنا وحدي بموسى، رغم طولها وامتدادها وتفاصيلها الهائلة الجميلة كلها، لأن موسى كان مشروعًا إنسانيًا للمحبة الخالصة مع كل الناس على اختلاف مشاربهم، ومع كل أصدقائه الكثيرين، ومع الذين عرفوه وقتًا طويلاً أو قصيرًا، موسى لم يكن يتقن في حياته شيئًا سوى المحبة الصادقة للقيم النبيلة في تعامله الراقي مع الآخرين، كان في قمة التصالح التام مع نفسه ومع الحياة بكل ما تحمله من تقلبات وأحداث، رغم كل ما يحدث فيها من منغصات ومتاعب. كان متساميًا ومترفعًا عن التذمر منها مهما حدث ومهما اشتدت الصعاب، لذلك كان قادرًا دائمًا على أن يحيا بابتسامته الجميلة المشرقة إلى اللحظة الأخيرة من حياته.
ستبقى حيًا نابضًا في قلوبنا إلى الأبد يا موسى، بكل ما أودعه الله فيك من جمال وسحر لا يضاهى. فكرة أنك غائب عنا إلى الأبد لن تحدث أبدًا، لأننا ببساطة لا نستطيع التعايش معها ولا استيعابها.
وكان يقول بعد النزهة عند الغروب متجهين نحو السماء: "دعنا نوقد الليل ابتهاجًا وسرورًا معًا"، وهكذا كان الأمر دائمًا، لأنه كان يمتلك قدرة خارقة على تحويل كل لحظة عادية إلى سيمفونية من الضحكات والمرح والفرح والبهجة التي لا تنتهي، وعندما كنا نلتقي في بيوتنا الدافئة بعد العودة، كان يفاجئني بتفاصيل مدهشة، يرويها بأسلوبه الخاص المتفرد، ويصوغ من بعضها قصائد عذبة آسرة، محملة بتلميحات عميقة لا يفهمها إلا قلبينا، أنا وهو فقط، وكأنها شفرة سرية بين روحين متآلفتين.
من ذا الذي لا يعشق هذا الإنسان النبيل إذا ما عرفه عن قرب؟ من ذا الذي لا يحب «موسى محرّق» الذي رحل فجأة، وبشكل مباغت، قبل يومين فقط، بينما كان في أوج صحته وتألقه وحضوره الآسر وعطائه المتدفق وأحلامه الوردية وتطلعاته السامية وآماله العريضة؟ الشاعر الأديب المثقف والإعلامي اللامع والخطيب المفوه الذي لا تكتمل روعة المناسبات الكبرى إلا بلمساته السحرية إعدادًا وتحضيرًا، وبصوته الجهوري الفخم تقديمًا وتعليقًا. لقد مارس فن الصحافة المقروءة فكان من فرسانها المتميزين الذين تركوا بصمة لا تُمحى، وعمل في الإعلام المرئي فكانت إطلالته فريدة ومختلفة بما يقدمه من محتوى رصين بلغة عربية باذخة هو سيدها، وأدار وشارك في منتديات ثقافية وإعلامية كبرى داخل الوطن وخارجه فكان فارس الكلمة وسيد المعنى الرفيع، وبعد أن تفرّغ للعمل بكل تفان وإخلاص في جامعة جازان الفتية بعد إنشائها أصبح إحدى أيقوناتها البارزة الساطعة التي لا تخفى على أحد. لقد جعل من إدارة العلاقات العامة والإعلام فيها خلية نحل لا تهدأ، ومصنعًا للأفكار المبدعة والرؤى الخلاقة والأفكار غير التقليدية، حتى أصبحت الإدارة الأكثر تميزًا بين مثيلاتها في الجامعات الأخرى، حضورًا لافتًا وتواصلاً فعالاً ونشاطًا غير تقليدي. كان لا يرضى أبدًا بغير الإبداع والتميز، وكان اسمه الجميل ملازمًا لاسم الجامعة كلما ذكرت، كان يشعر بإحساس عميق بأنها المحطة التي تستحق أن يمنحها كل ما يستطيع من جهد وعطاء طوال حياته المتبقية، وكان كل ما يأتي حديث بيننا عن الجامعة يذكرني بوصف بليغ لها اتفقنا عليه سويًا: «جامعة حبنا».
أنا لا أرثي «موسى» الغالي، لأنه لم ولن يموت أبدًا بالنسبة لي، أنا أتحدث عنه فحسب، رغم الغُصة الحارقة المريرة التي تكاد تخنقني. قبل أيام قليلة في جازان كنا، هو وأنا وعبده خال، نملأ المكان بضحكنا العالي وأصواتنا الصاخبة المرتفعة؛ في بهو الفندق الفخم، وفي المطعم الأنيق، وفي السيارة المريحة، وفي كل مكان وطأته أقدامنا، كان موسى يمتلك قدرة استثنائية فريدة على حياكة الطرف والنكتة وصنع المواقف المرحة التي تحلق بك في آفاق السعادة والبهجة التي لا حدود لها. وقبل أيام معدودة اتصل بي ليحدثني عن سفرته المرتقبة وكيف نرتب للقائنا المبهج بعد عودته، وبالطبع حدثني عن ممشى الغروب الساحر والسير المتأمل باتجاه السماء الصافية لينبش ذكريات عذبة وحميمة في أعماق قلبي وروحي. ولكن قبل البارحة فقط تأكد لنا جميعًا أن موسى سيعود إلينا في تابوت خشبي، يا له من وجع عميق لا يندمل.
لن أتحدث باستفاضة عن علاقتي أنا وحدي بموسى، رغم طولها وامتدادها وتفاصيلها الهائلة الجميلة كلها، لأن موسى كان مشروعًا إنسانيًا للمحبة الخالصة مع كل الناس على اختلاف مشاربهم، ومع كل أصدقائه الكثيرين، ومع الذين عرفوه وقتًا طويلاً أو قصيرًا، موسى لم يكن يتقن في حياته شيئًا سوى المحبة الصادقة للقيم النبيلة في تعامله الراقي مع الآخرين، كان في قمة التصالح التام مع نفسه ومع الحياة بكل ما تحمله من تقلبات وأحداث، رغم كل ما يحدث فيها من منغصات ومتاعب. كان متساميًا ومترفعًا عن التذمر منها مهما حدث ومهما اشتدت الصعاب، لذلك كان قادرًا دائمًا على أن يحيا بابتسامته الجميلة المشرقة إلى اللحظة الأخيرة من حياته.
ستبقى حيًا نابضًا في قلوبنا إلى الأبد يا موسى، بكل ما أودعه الله فيك من جمال وسحر لا يضاهى. فكرة أنك غائب عنا إلى الأبد لن تحدث أبدًا، لأننا ببساطة لا نستطيع التعايش معها ولا استيعابها.